الاحد 00 يونيو 0000 - الساعة:00:00:00
قرأت كتابا للكاتبة الانكليزية جين ساسون والذي وسمته ب " إنَّه بن لادن .. كل شيء عنه وبلسان زوجته وابنه "فلم يزدني إلَّا بؤسا وحزنا ووجعا على كثير من المسلمين ممن هم ضحية إما لجهلهم وإما لفقرهم وإما لأزماتهم النفسية والوجدانية والعاطفية ،فالشيخ أسامة بن محمد بن عوض بن لادن لم يكن سوى القربان المقدام الجهور البائس الضال الجامح السقيم الصدوق .
فتى في ريق حيويته وحماسته وطيبته ورغد عيشه ومن ثم يجد ذاته مجاهدا محاربا لأعداء الاسلام " الروس " في جبال وقفار أفغانستان ولعشر سنوات .
نعم شاب عشريني لم يمض على اقترانه بابنة خاله نجوى غانم - سورية المولد والنشأة والعائلة ، يمنية الأصل والجذور - ثلاثة أعوام فقط ومن ثم وتحت تأثير الخطاب الوعظي الديني الحكومي المُسيَّس يصير أسيرا لرحلته الأولى كشاب ميسور وثري محظي بدعم ورعاية الحكومات المتحالفة مع أمريكا والغرب الرأسمالي لمحاربة الغزاة السوفيات المحتلين لأفغانستان منذ اجتياحها في كانون الأول ديسمبر 79م .
تبدأ مأساة الرجل وعائلته وطائفته مذ تلكم اللحظة التي تحمس فيها لجمع التبرع السخي وتوزيعه هناك حيث ألاف المشردين والمنكوبين اللاجئين الى بيشاور الباكستانية المدينة المتاخمة التي كان نصيبها كبيرا من الكارثة الإنسانية .
كما ومن المقاومة وذكراها وما تلاها من أحداث جسام عرفها العالم الذي مازال وقعها مهولا وماثلا حتى اللحظة الراهنة المشاهد فيها عنف وإرهاب الجماعات الجهادية التكفيرية المتخلقة من رحم تنظيم القاعدة المتشكل نواته في بيشاور .
فمن فكرة الجهاد الذي قدر له هزيمة الجيش الأحمر السوفيتي وتحرير أفغانستان ولد وسطع نجم الشيخ أسامة وتنظيمه ، فبعيد عشرة أعوام من الجهاد العابر للحدود لم يستطع الشاب قبول فكرة العودة للديار واستئناف الحياة العادية ،فبرغم توافر المال والفرصة لأسامة بن لادن كيما يستقر في وطنه السعودية إلا أن ما رسب في ذهنه واستحوذ على تفكيره أكبر من المال والبنون والدنيا وزخرفها .
بتعريف بسيط أسامة كان ضحية بيئة متشبعة بالغلو والانغلاق الفقهي والفكري والمجتمعي . نعم فلكم شعرت بالبؤس والحسرة والألم؟ فكل ما أوردته الكاتبة على لسان الزوجة والولد كان موجعا ومأساويا ولحد أنني لم أمتلك دموعي حسرة وندامة على الرجل وعائلته الكبيرة المكونة من أربعة زيجات – قبل طلاق احداها واقترانه بزيجة يمنية - وأكثر من عشرين طفلا وطفلة .
فجميع هؤلاء وجدوا أنفسهم على خطى أب طيب وصادق وفوق ذلك مخلص النية بكونه محاربا للصليبية وللأنظمة الحاكمة ،فمن جدة المدينة الساحلية إلى كراتشي في باكستان إلى الخرطوم في السودان كمنفيين مسلوبي الهوية بجريرة الانتساب إلى شخص خارج عن طاعة الحكم إلى أناس مشردين في جبال تورا بورا وجلال أباد وقندهار .
وإلى عائلة ممزقة مبعثرة غير مرحب بها في ملاذها أفغانستان كما ومطلوبة ومطاردة أين ذهبت وحلت ؟ مأساة حقيقية تلك التي عاشتها عائلة بن لادن الرجل الثري الذي كان بحق ضحية صارخة لفكرة الجهاد المقدس الذي نذر ذاته وثروته له .
لا أعلم ما إذا كان الشخص قد أوصى أولاده بالابتعاد عن مسلكه الخاطئ مثلما نشرت وسائل الإعلام عقب مقتله أم أنه ظل على موقفه المتشدد والمغال ؟ ومع كل ما قيل وسيقال عن الرجل أعده مجرد قربان صنعته جملة من الأسباب والظروف المجتمعية والدينية والسياسية ، فالإنسان كما قيل ابن بيئته المحيطة به .
بعد انتهائي من قراءة لسيرة الشخص وعائلته أجدني الآن ناصحا كثير من الآباء والأمهات وقبلهم بالطبع المسؤولين عن التعليم والثقافة والإعلام ؛لأن يستفيدوا من هكذا سيرة ذاتية ، فمحاربة الارهاب لا تأتى بالقوة والعنف وإنما بأفكار جديدة وبإحلال قناعات محل قناعات وبقراءات وتأويلات داحضة لقراءات وتأويلات وهكذا دواليك.
نعم حزنت كثيرا عليك يا لادن الصغير الباكي على أُمك واخيك المغادرين إلى سوريا ودونما تجد لدموعك السائحة على وجنتيك فؤادا في صدر أبيك ! بكيت حرقة ومرارة على إخوانك الصغار وعلى أخواتك القاصرات اللائي يتم تزويجهن وهن في سن الطفولة ومن فتيان قتلوا بقذيفة صاروخ او انتحروا بحزام ناسف ! قصة حقيقة لو أن بطلها لم يكن زعيما لتنظيم إرهابي لكانت تتصدر افلام هوليود وبوليود وشبكات فوكس وسواها .
