آخر تحديث :السبت 10 مايو 2025 - الساعة:01:59:12
استشهاد الجنيدي.. الرحيل المؤلم في الزمن العصيب
رائد الجحافي

السبت 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

لا أعرف من أين ابدأ الكتابة عن الشهيد المناضل خالد الجنيدي، أتكون من نقطة الانطلاق للتعبير عن مشاعر الصدمة والألم، أم من لحظة استشهاد الفارس الذي ترجل جواده، من اخلاص ووفاء الشاب القائد الذي وهب نفسه لثورة الجنوب وسخر امكاناته ووقته، أهدر راحته وحلاوة منامه وسكونه وكل ملذات النفس لأجل الجنوب، هل ستكون البداية بالحديث عن صفات وسجايا مناضل حقيقي عمل بصمت وضحى في سبيل الجنوب، مناضل سياسي كان يجيد فن الحوار والتخاطب مع الاخرين محاوراً مناوراً، يستطيع قراءة مجريات الواقع بروية وعمق، شاب امتلك الحدس وبديهية التعاطي مع واقع الحراك الجنوبي.

هل سأكتب عن الفارس الميداني الذي لم يغب لحظة عن ساحات النضال ولم يفارق الشباب من ناشطي الحراك إلا في حالة المرض الذي يحول بينه وبين القدرة على الحركة معتقلا أسيرا في زنازين الاحتلال اليمني.

خالد الجنيدي العقل المفكر، النشط الذي لا يكل ولا يمل، الجنيدي الشاب المهندس الخبير في مجال هندسة الأجهزة الطبية الذي صقل شهادته وخبراته في دورة في هذا المجال في ألمانيا.

تعرفت على الشاب خالد الجنيدي القيادي البارز في الحركة الشبابية والطلابية قبل عدة سنوات والتقيت به في العاصمة عدن لأول مرة قبل أن تتوالى لقاءاتنا في كل ساحة وميدان على امتداد أرض الجنوب، عرفته شابا وفيا مخلصا للجنوب نشطا يبذل قصار جهوده في سبيل تقديم كل جديد يضاف إلى العمل الثوري، يتمتع بعقل وفكر سليمين يبحث باستمرار عن وسائل وسبل جديدة يهدف من خلالها تطوير آلية العمل الثوري، كتب كثيراً وقدم أبحاثا عديدة كرؤى حاول من خلالها الوصول إلى قاسم مشترك لكافة مكونات الثورة الجنوبية المؤمنة بالتحرير والاستقلال.

خالد الجنيدي الشاب المؤمن بعدالة قضية الجنوب الباحث عن تحرير وطنه من المحتل اليمني لم ييأس يوماً ولم يتململ أو ينهار حتى في أصعب لحظات الانكسار التي يمر خلالها الحراك الجنوبي في بعض الأوقات،  وكلما وجد انسداداً في أفق النشاط الثوري العام للحراك الجنوبي، يسارع إلى لملمة قواعد الحراك لينطلق في نشاطه من جديد، وفي مخيم الاستقلال بمدينة كريتر كان الجنيدي يقف مخاطباً رفاقه الشباب "لا تيأسوا ولا تنظروا أو تسمعوا إلى المرجفين، ثورة الجنوب باقية ما بقيتم أنتم ولطالما آمنتم بعدالتها فستنتصر من هنا، ولو كنا فقط هؤلاء النفر، فمن خلالكم سيعود الزخم والتألق لحراكنا، أنتم هؤلاء القلة إن أجدتم العمل وصمدتم فلن يستطيع أحد وليس بمقدور أي قوة أو مؤامرة أن تقضي على ثورتنا، أنتم الان تتشبثون بالثورة فلا تخافوا أو تسمحوا لليأس بالتسلل إلى قلوبكم، كونوا أكثر ثقة وأكثر عزيمة وإرادة وستعرفون كيف سيعود ألق الحراك.

الشهيد خالد الجنيدي، كان رحمه الله شابا متفائلا زرته في معتقله بسجن المنصورة المركزي قبل يومين من مغادرته للسجن، قبل الوصول إليه وزميله المناضل أنور اسماعيل عزمت أن أنقل لهما كلاماً يمنحهما الحماس والتشجيع، وقبل أن ابدأ حديثي معهما شرع الجنيدي بالكلام فتحدث عن ثقته وإيمانه بانتصار ثورة الجنوب كما حثني على إبلاغ الشباب بمواصلة الثورة، وجدته أكثر حماساً وشجاعة، لم يتذمر على الاطلاق باستثناء عبارة واحدة قال إنهما تعرضا للتعذيب في سجن الفتح لكن ذلك زادهما إصراراً وعزيمة، وأضاف "إننا لن نستسلم حتى تحرير الجنوب".

غادر الجنيدي السجن المركزي وانتقل مباشرة إلى ساحة مخيم الاعتصام بخور مكسر ومن داخل منصة ساحة الحرية هناك عاهد الجماهير بمواصلة النضال حتى تحقيق هدف استقلال الجنوب، في اليوم التالي كان ذلك الفارس يجلس في مخيم الاعتصام وشرع يعيد ترتيب أوراق العمل الثوري ويبحث مع رفاقه إمكانية التصعيد الثوري الذي وضع آليته وشرع بإعلان أولى الخطوات من خلال العصيان المدني، خطط وشارك وأسهم في إيصال الفكرة ونزل إلى الشارع لمتابعة ومراقبة مدى الاستجابة للعصيان، وفي غمرة النجاح الكبير الذي حققه العصيان المدني وفي لحظة الانتشاء بالنصر والثقة بنفس ثائرة ، كان جنود الاحتلال ومخابراته يرصدون تحركات الفارس الجنيدي حيث اعترضوه وقبضوا عليه ثم انهالوا عليه بالضرب واقتادوه أسيراً قبل أن يقدموا على تصفيته جسدياً فسقط شهيداً ولحق بركب قافلة شهداء الجنوب الذين سبقوه.

لحظات الاستشهاد.. عظمة قائد ثائر وحقارة محتل:

لم يسقط القائد الشاب خالد الجنيدي برصاص جنود الاحتلال الذين اعتادوا إطلاق نيران أسلحتهم بصورة عشوائية هستيرية تجاه أبناء الجنوب منذ احتلال الجنوب في العام 1994م، ولم يجر قتل الجنيدي لمحض مواجهة أو اشتباك، ولم يسقط بصورة عفوية أو يجري قتله لأن جنود الاحتلال اعتادوا قتل الجنوبيين بدم بارد، لقد تم قتل الجنيدي لأن المحتل اليمني أراد له ذلك مع سبق الاصرار والترصد حيث جرت عملية تصفيته وفق خطة مسبقة ووفق أوامر عليا من صناع القرار الذين رأوا ضرورة التخلص منه،  حتى يخمدوا وهج الثورة الجنوبية حد أوهامهم وتفكيرهم الإجرامي، فالشهيد الجنيدي حين اعتقاله لم يكن يحمل بمعيته سوى قلم في جيبه، انهال عليه الجنود بالضرب المبرح وحملوه إلى الطقم العسكري فاقداً للوعي جراء الضرب المبرح الذي تعرض له من الجنود، وتنفيذاً للأوامر العليا قاموا بتصفيته جسدياً، لقد أعدموه رمياً بالرصاص فوق منطقة القلب ومن على مسافة قصيرة حسب تقرير الطبيب الشرعي.

رحل الثائر القائد خالد الجنيدي وقد نال مرتبة الشهادة التي نالها رغم أنف المحتل الحقير، بينما ذلك المحتل لم ينل إلا مزيداً من الخزي والعار..

رحل القائد الثائر خالد الجنيدي شهيداً وقد ترك خلفه فكر ثورة حقيقية يؤمن به آلاف الشباب..

إلى جنة الخلود أيها الشهيد خالد الجنيدي ولا نامت أعين الجبناء، ونعاهد روحك بأننا سنواصل ثورتنا ولن نستسلم حتى نحقق الهدف النبيل الذي استشهدت في سبيله وهو تحرير واستقلال الجنوب، أو ننال مرتبة الشهادة بإذن الله.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص