آخر تحديث :الثلاثاء 05 اغسطس 2025 - الساعة:00:37:11
الشيخ عبد القوي محمد شاهر: رجل بحجم الوطن
م.علي نعمان مصفري

الثلاثاء 00 اغسطس 0000 - الساعة:00:00:00

رحل اليوم فارس الحق والكلمة والموقف والثورة والوطن الكبير الشخصية السياسية والاجتماعية والفدائية الشيخ عبد القوي محمد شاهر الصبيحي، الشيخ الثائر والوطني الشجاع عرفته منذ نعومة أظافري شابا يانعا متقد بالحيوية، يعطي أكثر مما يأخذ، يعشق الحياة في عز عذابه، يقدم وطنة على كل شيء يخصه.

الشيخ عبد القوي محمد شاهر الصبيحي ينحدر مِنْ منطقة الصبيحة، البيئة التي أكسبته الصلابة والبساطة والقوة والحزم وقوة اتخاذ القرار، أسداً شامخا لا يستهين عند المنحنيات، غير ازدياده أكثر شدّة في ربط الجأش لبدء تتويج مرحلة نضالية جديدة، هكذا عاش واقفا على ثباتة قناعته وطنيا يحمل هم وطنه في قلبه عنيدا، لا يخاف لومة لائم، مستمد إرادته من حق وطني للجنوب هوية وأرضا وتاريخا وثقافة، رضع حبه من مشيمة ارتباطه العضوي بنسيج وطنه التاريخي الاجتماعي الفكري، الذي حملة وارتبط به طول حياته، مناضلا، حيث ما حل ودعت الحاجة إليه، طفلا عاش مع والده في منطقة امشاريج علصان بالصبيحة، والده شيخ ثوار الجنوب العظيم، الفارس المغوار الفقيد الشيخ محمد شاهر الصبيحي، الوطني المعروف في تاريخ الجنوب وقائد انتفاضة الصبيحة في أربعينيات القرن الماضي، من استطاع إثبات الشخصية الجنوبية بصورة الصبيحة، قولا وفعلا وهزيمة الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وهو فاقد ذراعة الأيسر، ليسقط طائرة هوكر هنتر ببندقيتة، ويجبر القوات البريطانية على التراجع وإخلاء منطقة الصبيحة في إطار معادلة سياسية جديدة، أعطت منطقة الصبيحة هامشا جيدا في نسق السلطنة العبدلية، منها فهم الكل معنى الصبيحة على الأرض حقيقة ثابتة في المتغير السياسي والاجتماعي، ظلت ولازالت بموقف انتفاضة الشيخ محمد شاهر شاهدا تاريخيا لعدم تجاوز الجغرافيا والإنسان الصبيحي، الشيخ محمد شاهر الصبيحي عنوانها الحقيقي في المشهد التاريخي حاضرا حتى اللحظة.

كنت باستمرار التقيه في قريتنا برفقة خالي من الأم الشيخ صالح حسن بغيلي وزميل عمره الشيخ علي بن أحمد قاسم المكمحي، شيخ مشايخ الصبيحة، رحمهم الله واسكنهم فسيح جناته، ولعلاقة نسب تربط الشيخ علي بن أحمد والشيخ عبد القوي محمد شاهر.

لازالت ذكرى صورته شاهدة في ذاكرتي وهو على قعوده، طودا شامخا، كأنه ذاهب إلى فتح إسلامي جديد مع دعاة الإسلام، لقوة شخصية الشيخ وكاريزما الحضور القوي وسط الناس، وبحكم ارتباطه بالخير والصلح مع صهيرة وخالي، وسبق ذكرهم أعلاه وآخرين، لذلك ذاع صيتة في المنطقة، وهو لازال شابا.

بعد ١٩٦٢ غادر الشيخ عبد القوي الصبيحة، مناضلا جيفاريا، يشعل من وسط جوفة ثورة الجياع حالما بتغيير الواقع وفق إرادة الناس، ولحقته مع الأستاذ الثائر يوسف عثمان المصفري في ذهابه لتعز، وكانت لنا معهم من التشبع الثوري الوطني كفاية، خلقت لي رافدا فكريا ثوريا معطاء، صُورَة تشكلت في ذهني على أمل تحرير الجنوب وبنائه وطنا للكل، دون ما حصل بعد مؤامرة الاستلام والتسليم في عشيّة ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧، مسارا خالف التاريخ وهو بداية كل امتدادات الأخطاء، التي ندفع ضرائبها حتى اللحظة.

بين الصبيحة وتعز كنّا سلسلة ثورة وطن، نسجناها بأرواحنا، طفلا كنت حينها لم أتجاوز الـ ١٣ ربيعا والشيخ شابا يانعا يفقه معاني الثورة وأصولها، ساهم بجدارة في تحرير وطنه ، عّرض روحه لمخاطر، كان قد تعرض لمحاولات اغتيال كثيرة، لكن يد الباري كانت تحفظه، ليطل من باب العمل الوطني أكثر حيوية، لقنّا أعداء الوطن دروس عظيمة، جعلهم يفقدون أساليب افتراءاتهم في هزائم متلاحقة، أبرزته قائدا عظيما مع ثلة رفاقه في جبهة الصبيحة القائد الكبير المقدم محمد أحمد الدقم، المقدم محمد علي الصماتي، قادة ثورة ١٤ أكتوبر، جبهة الصبيحة، الفدائي المغوار الشهير عبد الصفي الرجاعي، قائد فرقة صلاح الدين المعروفة، وزميلة الفدائي المعروف محمد أحمد عوكبي، الشيخ علي بن علي شكري، يوسف عثمان المصفري، الشيخ قايد علي الرزيحي، ثابت الكسر، عبد الجبار العييري، قايد محمد صلاح، يوسف سالم المصفري، وسعيد حسن طنبح الأصنج وآخرين لا تحضرني الذاكرة بأسمائهم.

الشيخ عبد القوي، فصل بيننا المكان، لكن التاريخ ظل يتواصل معه بعد عام ١٩٦٧، لكن تراجيديا الأحداث وخلاصة مآسيها، كانت تقفل علينا آفاق العمل الوطني بحكم متغيرات الواقع سياسيا، إلا أن منافذ جديدة كانت تحمل لنا جديد الأمل، رغم شحة ونضوب روافد الجهد المادي السياسي، الذي دفع الشيخ عبد القوي كبدة، كُبْدَاً دون تغييره، رابطا جأشه في اليمن مشردا بعيدا عن وطنة الجنوب ولمدة ٢٣ عاما، بقي نشطا جاهدا في انتظار حركة التاريخ، لدفع عجلتها نحو المألوف الغائب جنوبيا بحكم سياسات اليمننّة، التي كانت تسير بالجنوب نحو المأساة، التي اليوم أصبحت رديف الواقع، لنصبح كما نحن فيه من شماتة بعد أن كان الجنوب زهرة الشرق والغرب وقلب العالم .

وحتى بمزاحي الدايم معه، كنت أسميه بجيفارا الجنوب العربي، والتي كان يعتز بها، لِمَا بالفعل تحمله المعاني والقيم والمثل التي آمن بها وجسّدْها المرحوم أبو جلال في حياته، كان يريد أن يحققها في الجنوب ليعيد مجده وتاريخه، باستيعابه العميق المتميّز في جدارية الثورة الجنوبية التي كان واحدا من أركانها الرئيسة، حاملا مشعلها، صوت وصورة، كان يحذر قبل وبعد وحلة مايو ١٩٩٠، أن هناك مؤشرات تحاك على الجنوب تستهدف الأرض والإنسان والهوية والتاريخ، منبها المهرولين، بعدم الانجرار خلف ثقل غرائزهم الحيوانية في قبر الجنوب مرة أخرى، لمعرفتك بواقع النظام والعقلية في اليمن، لكن لِمَنْ تصيح يا فصيح، ذهبوا في غيّهم وأوقعوا الجنوب في مستنقع صعب عليه حتى اللحظة الخروج منه، لاستمرارية ذات العناصر من تنفيذ مسلسلها الوحشي على الجنوب وفق ثقافة القطيع المشبعة بها أجنحة غسالات المخ الفاعلة على حساب ضمير الشعب العربي في الجنوب.

نصح وفضح وشرح وأعطى من لدْنْ روحه المشورة من وحي تجربته الوطنية الغنية الطويلة، لكن عصابات وأدوات الموت كانت سيدة الوضع وتم احتلال الجنوب في ٧ يوليو ١٩٩٤، ولأنه كان رافضا كل الحروب وحرب صيف ١٩٩٤ غادر إلى القاهرة لألتقيه هناك، عشنا معا متجاورين في منطقة واحدة، لم نفترق أبدا، صورة المشهد أمامنا حقيقة وحلم، نتجادله بمفردات الإخاء الصادق، نختلف لنتفق، كان فيها قمة التميّز الوطني، مدرسة وطنية متكاملة، تسمع له لتتسع مدارك المستمع بسلسلة أحداث التاريخ قممها وقيعانها، لا تكل ولا تمل، وكأنك تشاهد فيلما سينمائيا بطله الشيخ العزيز عبد القوي لما يذهب إليه في نقل صور الأحداث، كأنك تبحث في ارشيف تاريخ وطن لا ترغب مغادرته، بتجلي صور الحقائق، ومعرفة دقائق المعرفة.

رحيل أبو جلال تعد خسارة كبيرة للجنوب في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي يمر بها، ولكن عشمنا بوديعته، التي أوصانا بها أن نبقى أوفياء للجنوب الارض والشعب والتاريخ، ندافع باستماته لاسترداده، بعملنا كفريق واحد، والتجرد من الأنانية بوحدة الصف ونبذ العنف بيننا واللجوء إلى الضمير الحي للاحتكام؛ إن الجنوب وطننا يتسع لنا كلنا، مهما تعددّت المشارب الفكرية والسياسية، كلنا تحت سقف الجنوب الوطن موحدين، وفق الثوابت الجنوبية في الاستقلال واستعادة الهوية والدولة.

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص