آخر تحديث :الثلاثاء 22 يوليو 2025 - الساعة:00:15:05
مستشارة ثقافية بالوراثة: الجمهورية العائلية اليمنية في أقصى تجلياتها
فتحي أبو النصر

الاثنين 21 يوليو 2025 - الساعة:10:11:58

في الجمهورية اليمنية ، تلك الدولة التي ترفض منذ عقود أن تتحول إلى دولة، يُعاد إنتاج السلطة والامتيازات كما يُعاد تدوير القمامة: بآليات مهترئة، وروائح تزكم الضمير. لا فرق كبير بين حكم الإمامة في ثوب الدين، والجمهورية في عباءة العائلة. كلاهما يضمن للابن وظيفة "فوق العادة" لمجرد أن والده كان ذات يوم جنرالا أو مسؤول توجيه معنوي.

الخبر الأخير؟ تعيين ابتسام علي حسن الشاطر، ابنة مدير التوجيه المعنوي الأسبق في زمن الرئيس علي عبدالله صالح، مستشارة ثقافية في السفارة اليمنية بتركيا. نعم، مستشارة.. ثقافية. 
وليس هذا تعيينا، بل شهادة وفاة جديدة لنظام الكفاءة، ونكسة أخرى في سجل "الشرعية" التي تزعم أنها بديل للحوثيين، لكنها تنتهج نفس سياسة توريث المناصب باسم الوطنية وباسم( التوافق)!

ابتسام درست اعلاما، ويبدو أن هذه كانت ورقتها الوحيدة في مباراة بلا حكم ولا جمهور. لا أحد سمع بها في أي نشاط ثقافي، لا مهرجان، لا ندوة، لا كتاب، لا فكرة. لا أثر لها في مشهد الثقافة سوى أنها ابنة "فلان"، وصديقة "علان"، وتربطها معرفة قديمة بسعادة السفير. وتحمل رتبة عميد في التوجيه المعنوي من زمن والدها.

هذا ليس تقليلا منها، بل إنصاف لليمنيين الحقيقيين الذين دفعوا ثمن المعرفة والفكر والتمرد، ولم تمنحهم الدولة سوى التجاهل والتجويع.
بل من المؤلم أن نشهد كيف تُفصل المناصب على مقاسات الأسر، وكأن الوطن مصنع خياطة سياسي للعائلات المقدسة.

فهل نحن في جمهورية؟ أم في ملكية متوارثة بلا تتويج رسمي؟ 
على إن ما يحدث اليوم هو كاريكاتير ساخر لدولة تتهاوى بينما تبتسم النخبة من خلف زجاج السفارات. 
وإذا كنت ابن مسؤول، فوظيفتك مضمونة حتى وإن كنت لا تعرف الفرق بين المتنبي وأبو قراط. وإذا كنت شاعرا، أو صحفيا، أو مثقفا حقيقيا ، فمكانك الطبيعي هو الظل، لا لأنك لا تستحق، بل لأنك لم تولد في اللحظة الخطأ من رحم القرار السياسي.

ما اريد قوله إن السفارات اليمنية في الخارج تحولت إلى قاعات استقبال للعائلة الجمهورية الممتدة. راجح بادي ، صحفي ، صار سفيرا، جمال أنعم صحفي صار مستشارا ثقافيا..بليغ المخلافي صحفي صار مستشارا ثقافيا. حسن الحرد ،طبيب ،سفيرا أيضا، سحر غانم  ناشطة ، سفيرة في هولندا. الأمر لا علاقة له بالكفاءة، بل بـ"من يوصي بمن".
مع احترامي وتقديري للجميع.
فيما وزارة الخارجية، الإعلام، الثقافة كلها مجرد أختام مطاطية لتوثيق توصيات الهاتف السياسي. فلا توجد مفاضلات، لا لجان، لا معايير. هناك فقط خيوط هاتفية عائلية تحرك كل شيء من تحت الطاولة، فوق القانون، وعلى جثة الكفاءة.

فيا سيادة الرئيس، يا وزير الإعلام والثقافة، يا من تتكلمون عن الجمهورية والمساواة، هل هذه هي الدولة التي ناضل الناس لأجلها؟ هل هذا هو العدالة الانتقالية أم التوريث الانتقائي؟

طبعا ليست هذه غيرة من ابتسام الشاطر، بل غيرة على اليمن الذي أُنهكته المحسوبيات. 
فاليمن ليس عزبة لأبناء المسؤولين، ولا سُلما لصعود الأقارب على ظهر الوطن.

أنا فتحي أبو النصر لي الحق أن أقول: أنا أولى بمنصب مستشار ثقافي في سفارتنا في أديس أبابا، لا لأنني ابن أحد، بل لأنني ابن الثقافة. ولست وحدي. هناك مئات من الشرفاء، الشاعرات، الأدباء، النقاد، الصحفيين الذين يستحقون أن يمثلوا اليمن. لكن لا أحد يوصي عليهم. لا أحد يتذكرهم في توزيع الغنائم.

وبالتأكيد هذه ليست قصة ابتسام، بل قصة وطن يُغتصب كل يوم، ويُدار كإرث عائلي مفضوح. 
واليمن، للأسف، لم تعد سوى "جمهورية وراثية" بلا خجل.

هل ذنبي اني مواطن يمني عالق بين النزاهة واللاجدوى!

نعم..الثورة تأكل أبناءها، وتُطعم أبناء المسؤولين وأصحاب الوساطات.

نعم..أنا فتحي أبو النصر، أحد من فجروا الثورة، فماذا نلت؟ لا منصب، لا تقدير، حتى راتبي قُطع لأنني انتقدت حزبي! فيما يتقافز الطارئون على أكتاف الحلم إلى أعلى المناصب. سكرتير تحرير "الثوري"، شاعر، صحفي، ومدافع عن شرعية لا تعترف بي. أما هم، فبأسماء آبائهم وقبائلهم واحزابهم يصيرون مستشارين  ووكلاء ، لا لأنهم أكفاء، بل لأنهم "الأبناء الشرعيون للسلطة".!

 فيما ابتسام الشاطر مثال لا يُكذب: لا أثر ثقافي، لا تجربة، فقط نسب وواسطة. 
أي الثورة كانت سلمية، لكنها لم تكن عادلة. والشرعية تهمش أبناء الثورة وتكافئ أبناء التوجيه المعنوي.
اي إنها ليست دولة، بل شجرة عائلة.

وأنا لا أشكو... أنا أفضح.

أي الثورة التي حلمنا بها تحولت إلى مضافة عائلية. نثور، نحترق، نُقصى بينما أبناء الجنرالات والعوائل ومن يمسحون الأحذية يجلسون على أرائك السفارات والوزارات. 
أي أنا شاعرها وصحفيها، وهم مستشاروها ووكلاء بالوراثة. 
أي لم نطلب سوى عدالة التمثيل، فحصلنا على ورقة طرد من الحلم. 
وهل تعيّن ابتسام لأنها "ابنة الشاطر"، ونُهمش لأننا أبناء الموقف. 
ولكن هذه ليست دولة ،إنها أسرة حاكمة بلا تاج.

ويا سادة الشرعية: ماذا لو كانت الكفاءة تورث كما الوراثة؟ لكنا ملوكا!

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل