
دفعت المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، البلاد إلى شفا كارثة إنسانية، مهددة باندلاع حرب أشمل، قد تجتذب قوى خارجية، بحسب ما أشارت إليه وكالة "رويترز" للأنباء.
وتتواصل المواجهات الدامية بين الطرفين في أسبوعها الثاني، رغم تعهدات بوقف إطلاق النار، وإعلان هدنة لمدة 3 أيام، إلا أن المؤشرات تدل على أنه لا مجال لتراجع أي من الطرفين أو حتى إجراء حوار لإنهاء القتال.
معارك ممتدة
ذكرت تقارير إخبارية أن الاشتباكات امتدت لعدد من أحياء بحري وشرق النيل في العاصمة الخرطوم، والتي كانت في مأمن منذ اندلاع الحرب قبل أسبوع، وأكد شهود عيان احتدام الاشتباكات بأحياء شمبات بمدينة بحري، حيث تدور اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بمعسكر خاص بالأخيرة هناك.
ولا يزال عدد من المواطنين في منطقة شرق النيل يعيشون تحت تهديد النيران، وصدرت دعوات من قبل نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأهالي شرق النيل بأحياء بركات والوحدة ودار السلام والتكاملات إلى التزام منازلهم لحين هدوء الاشتباكات.
وقال أحمد عبد الفتاح، مواطن من شمبات: "نعيش حالة رعب فظيع، ونسمع دوي الدانات والرصاص الطائش يضرب جدران منازلنا، ونستلقي أرضاً لحماية أنفسنا من شبح الموت غدراً"، فيما قالت هيفاء محمد: "نعيش وضعاً مأساوياً الآن يحيل يومنا إلى سواد وبالأمس كنا أمنيين".
وبدورهم، قال سكان في مدينتي أم درمان وبحري المجاورتين للخرطوم إن القتال اشتد قبل ظهر اليوم السبت بعد هدوء نسبي، إذ وقعت ضربات جوية بالقرب من هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية ومعارك بالأسلحة النارية في عدة مناطق، وأظهر بث تلفزيوني مباشر لعدة قنوات تصاعد سحابة كبيرة من الدخان الأسود من مطار الخرطوم ودوي إطلاق نار ومدفعية.
عنف ونهب
ومن جهتها، وردت تقارير عن وقوع أسوأ أعمال عنف خارج العاصمة الخرطوم في دارفور، وهي منطقة صحراوية في غرب البلاد على الحدود مع تشاد. وجاء في إفادة للأمم المتحدة عن الأوضاع الإنسانية اليوم، أن لصوصاً استولوا على ما لا يقل عن 10 مركبات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي، و6 شاحنات طعام أخرى بعد اقتحام مكاتب ومخازن تابعة للمنظمة في نيالا بجنوب دارفور، وهناك مخاوف أيضاً على مصير نزلاء سجن الهدى، وهو أكبر سجن في السودان ويقع في أم درمان المجاورة للخرطوم.
وفي سياق متصل، قالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إن ما يربو على ثلثي المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات توقفت عن الخدمة، مضيفة أن 32 مستشفى أما تعرضت للقصف أو للإخلاء القسري.
وذكرت أن المستشفيات التي لا تزال تعمل مهددة بالإغلاق أيضاً بسبب نقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية والمياه والتيار الكهربائي، مضيفة أن بعض هذه المستشفيات لا تقدم سوى خدمات الإسعافات الأولية، واستغاث أشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي طلباً للمساعدة الطبية والنقل للمستشفيات والأدوية الموصوفة طبياً.
إخماد التمرد
وبدورها، أكدت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، أن الحياة بدأت تعود تدريجياً بالعاصمة الخرطوم وبقية المدن، وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، في بيان أورده عبر حسابه بموقع فيس بوك: "أخمدنا التمرد وخلصنا السودان من أكبر مشروع انتهازي في تاريخ البلاد، محاولات يائسة للمتمردين بدفع المزيد من القوات المندحرة إلى الخرطوم مستمرة، وتتعامل معها القوات المسلحة بالحسم اللازم".
وأضاف "يصعب تحديد مدى زمني معين لنهاية العملية ونسعى جاهدين للقضاء على التمرد في أسرع وقت للقضاء على معاناة شعبنا"، وتابع "القوات المسلحة برهنت على قابليتها الكبيرة للتعامل مع أي متغيرات تستهدف البلاد، ونجحنا في تجنيب شعبنا مخاطر كبيرة بعدم إجراء مناورات كبيرة بالقوات أثناء الاعتداءات والتركيز على عمليات الصد والتدمير من داخل المقرات العسكرية".
جهود دولية
وفي سياق منفصل، بحث وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره السويدي توبياس بيلستروم خلال اتصال هاتفي، تطورات الوضع في السودان وسبل دعم وتثبيت وقف إطلاق النار لتمكين عمليات الإغاثة الإنسانية من أن تصل إلى المصابين والجرحى.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبوزيد، أن الوزير السويدي أعرب عن قلق بلاده من التطورات الأخيرة، وتأثيرها على المدنيين والجاليات الأجنبية المتواجدة هناك. وأضاف المتحدث أن الوزير سامح شكري تناول الجهود التي تضطلع بها مصر من خلال اتصالاتها مع كافة الأطراف، مشدداً على أهمية العمل من أجل التوصل لوقف دائم لإطلاق النار وتجنب كافة الخروقات في هذا الشأن، حقناً لدماء الشعب السوداني الشقيق.
كما أكد الوزير شكري على ضرورة امتناع أي طرف خارجي عن التدخل بشكل يقوض من جهود التهدئة، وبما يسهم في إنجاح الجهود الهادفة لإخراج السودان من هذا الوضع الصعب.
وفي بريطانيا، ترأس رئيس الوزراء ريشي سوناك اجتماعاً للجنة الحكومية للاستجابة للطوارئ، لبحث الموقف في السودان بحضور وزير الدفاع بن والاس. وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية عند سؤاله عن التصريحات "ندرك أن الموقف مقلق للغاية للرعايا البريطانيين المحاصرين بسبب القتال في السودان"، وأضاف "نبذل كل ما هو ممكن لدعم الرعايا البريطانيين والموظفين الدبلوماسيين في الخرطوم، وتعمل وزارة الدفاع مع وزارة الخارجية للاستعداد لعدد من حالات الطوارئ".
وحدثت وزارة الخارجية البريطانية اليوم توصياتها بخصوص التحركات في السودان، وحذرت من أن "المسؤولية عن أي قرار بالتحرك في حالة وقف إطلاق النار يجب أن تكون شخصية".