آخر تحديث :الاحد 29 يونيو 2025 - الساعة:21:38:49
حتى لا تتحول "مكافحة الإرهاب" إلى وعود كاذبة ومساومات سياسية
صالح ابو عوذل

الاحد 29 يونيو 2025 - الساعة:18:07:49

تابعتُ باهتمام البيان الصادر عن مجلس القيادة الرئاسي اليمني المؤقت، والمتعلّق بملاحقة قيادي عسكري متهم بالتورط في عمليات إرهابية استهدفت مدينة عدن (العاصمة)، وأودت بحياة قيادات عسكرية ومدنيين، بينهم أطفال. ولعل أبشع تلك العمليات تفجيرات بوابة مطار عدن الدولي، والتخطيط لاغتيال محافظ عدن، معالي الأستاذ أحمد حامد لملس، فضلًا عن اغتيال زملاء صحافيين، أبرزهم الأستاذ أحمد بو صالح قبل ثلاثة أعوام.

مجلس القيادة الرئاسي المؤقت، الذي وُلد من رحم مرحلة كانت فيها أطراف محلية وإقليمية تسعى لإضعاف المجلس الانتقالي الجنوبي، كان محل انتقاد منذ لحظة تشكيله، وقد قلنا ذلك في حينه.

وقد فسّر البعض محاولة اغتيال "لملس" بأنها جاءت انتقامًا من عملية أمنية نُفِّذت في كريتر، وذهب آخرون إلى ربط تلك الأحداث بجهة إقليمية أرادت تقويض نفوذ "الانتقالي". كان هذا هو الرأي السائد حينها.

ثم جاءت مشاورات الرياض اليمنية–اليمنية، فولدت لنا كيانًا مشوهًا اسمه "مجلس القيادة الرئاسي"، لم يحظَ بقبول الغالبية العظمى من الجنوبيين. بل إن البعض ذهب إلى التساؤل عن مصير القضية الجنوبية، فجاء الرد على لسان رئيس المجلس، رشاد العليمي، مؤكدًا أن "القضية الجنوبية" ستُبحث بعد الانتهاء من الحرب مع الحوثيين، وحتى ذلك الحين، لكل حادث حديث.

حينها، اشتعل الشارع الجنوبي غضبًا من تلك التصريحات، وسرعان ما حاول العليمي احتواء الغضب ببيان هزيل لم ينفِ فيه تصريحه المتعلّق بـ"ترحيل قضية الجنوب"، بل ذهب إلى اتهام الجنوبيين بـ"قلة الوعي"، لأنهم ـ بحسب زعمه ـ أساؤوا فهم تصريحاته.

لست هنا بصدد استعراض كل مواقف العليمي، فالرجل معروف بسيرته، والمعلوم لا يُعرّف. فهو صاحب اليد الطولى في قمع الحركة الوطنية الجنوبية منذ انطلاقتها في العام 2006، ويملك سجلًا حافلًا بالانتهاكات، أبرزها قضية "المعجلة" في أبين.

أشير إلى ذلك لا من باب التذكير، بل من باب التوضيح والتوصيف؛ فالعليمي رجل أمني الاتجاه، سياسيّ الغاية، وتوجهاته لا تخفى على أحد. والسؤال المطروح اليوم: ما هي القضية التي ينبغي أن يُقاتل من أجلها من يختلفون مع توجهاته؟ وهم شركاؤه في المجلس.

لا شك أنه يحظى بدعم سعودي، وهو ما مكنه من التسيّد على سائر أعضاء المجلس، وإدارة الشأن السياسي وفق أجندته الخاصة. ولكن، بعد بيان الإدانة الأخير الذي أصدره مجلس القيادة ضد قائد لواء النقل المقال، العميد أمجد خالد، واتهامه بالضلوع في عمليات إرهابية والتحالف مع الحوثيين، يثور تساؤل مشروع: هل نحن أمام مواجهة جادة لخلايا الإرهاب، وهل سنرى ملاحقة كل تلك العناصر عبر "الشرطة الدولية"، أم أن المسألة صفقات وظيفية تُدار بغطاء "مكافحة الإرهاب"؟، "خذ وعوداً"، ودعني أمكن نفسي من السلطة، حتى يأتي اليوم الذي يسهل علي أزاحتك..

من المهم التذكير بأن العليمي أقال أمجد خالد من قيادة لواء النقل في فبراير 2024، -ربما في صفقة سياسية-، بينما لم يُصدر أي موقف علني يتهمه بالإرهاب حتى يونيو 2025، أي بعد أكثر من 500 يوم، وفي توقيت سياسي مثير للريبة، حيث تعالت الأصوات من شركاء المجلس تصف "الشراكة" بأنها خديعة، لا تقل زيفًا وكذبا عن شعارات الحوثيين التي ترفع "الموت لأمريكا".

لم تعد عبارة "الشراكة" مقبولة، فهي خديعة لا تختلف كثيرًا عن خديعة "مشروع الوحدة"، التي قاد بها طرف جنوبي الشعب نحو وحدة هشّة، ثم انسحب عند أول اختبار، تاركًا الناس يواجهون مصيرهم. وما الشراكة القائمة اليوم إلا تكرار لتلك المهزلة، وقد تكون ذريعة لحرب جديدة تُخاض باسم الدفاع عنها.

رشاد العليمي يدير المشهد كما لو أنه يلوّح بالطُّعم لشركائه، موهمًا إياهم بأن "السمكة القادمة لهم"، بينما هو يُقدّم لعائلته شرائح السمك المطبوخة مسبقًا. أما الشركاء، فعليهم الانتظار على ضفاف البحر، يُراقبون السنارة تغوص في الأعماق دون أن تقترب منها سمكة واحدة.

الشعارات الوطنية الزائفة لم تعد تُقنع أحدًا. لقد تحوّل المشهد إلى عرض مسرحي هزلي، نعرف تفاصيله مسبقًا، ونتوقّع النكات التي ستُقال فيه، لأننا – ويا للمفارقة – شاركنا في كتابة نصّه، على أمل أن تكون مرحلة انتقالية، فإذا بنا نكتشف أنها لعبة ممتدة تُدار خارج المسرح، وبأدوات لا علاقة لها بالدولة أو مؤسساتها.

نحن لا نطلب معجزة، لكننا نرفض أن تتحول قضايا الإرهاب، ودماء الأبرياء، إلى أدوات للابتزاز السياسي، أو أوراق تفاوض داخل أروقة قصر معاشيق، في مشهد عبثي عنوانه: "خذ وعودًا، واتركني أبني سلطتي العائلية".

والله من وراء القصد.

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل