آخر تحديث :الاربعاء 07 مايو 2025 - الساعة:00:53:50
وقفة العقل من أجل وطن لا يقصي العقل
(الأمناء نت / كتب / بلعيد صالح :)

ليس من الدقة أو والصواب  اختزال ما يمر به التعليم العام والتعليم الجامعي في بلادنا  بمطالب مالية فحسب؛ فالمشكلة أعمق بكثير  من راتب متآكل، لم يبق منه 10% مقارنة بقيمته الشرائية قبل عاصفة الحزم 2015م ،  المشكلة الحقيقية تدور    حول مكانة العقل في مشروع الدولة إن وجدت ملامح لذلك المشروع أصلاً،  المشكلة الحقيقية تكمن في   كيف تنظر القوى التي تحمل القرار ممثلة بالتحالف والحكومة  لمن يحمل القلم ؛ فحين يُدفع  المعلم في مدارس التعليم الأساسي أو الأستاذ الجامعي إلى حافة الحاجة لا يُذل جسده فقط؛ بل تُهان مكانته الرمزية في الوعي الجمعي، وعندما يتحوّل العقل إلى بند قابل للتأجيل أو كائناً هامشياً قابل للإلغاء والتجاوز، فإن الخسارة لا تقع على ذلك المعلّم أو الأستاذ، بل على مجمل مشروع الدولة٠ 

 لننظر حولنا قليلاً نرى  إن إغلاق مصفاة تكرير النفط،  وتوقف ميناء عدن الاستراتيجي، وتوقف تصدير النفط، والغار،  لم تكن مجرد مصادفات اقتصادية، كما يظن البعض بسبب تهديد الحوثي، أو قطعة غيار تحتاجها المصفاة، أو ترميم رصيف يحتاجه الميناء؛  بل إشارات صريحة إلى تخلٍّ منظم من قبل من يمتلك القرار   عن أدوات الإنتاج والإدارة والسيادة ، وكلما تراجعت وظائف الدولة الأساسية ازداد اعتمادها على أدوات السيطرة لا أدوات البناء، ومن هنا فإن تهميش المؤسسات التعليمية ليس حدثاً معزولاً عن كل مايحصل،  بل نتيجة طبيعية لخلل في المفاهيم قبل السياسات٠

ليس غريباً أن تتحول المدرسة و الجامعة إلى مؤسسة منسية في مشهد تُدار فيه الموارد كأن العقل أصبح عبء لا قيمة، وأن المعلم في التعليم الأساسي أو الأستاذ الجامعي  يُستثنى من الوفرة وكأنه لا يملك سوى صوته الموجوع في أروقة الصمت٠

لكن الغرابة الحقيقية أن يُطلب من المعلّم والاستاذ أن يصمت وهو يرى الطالب وقد بدأ يُدرك أن انحدار مكانة أستاذه ليست إلا تمهيدا لانهيار مستقبله؛ فالمؤسسات التعليمية  اليوم لا تعيش أزمة  تمويل بل أزمة معنى أزمة أن تُترك منارة الوعي تذبل بينما تُضاء مصابيح الجهل من كل اتجاه، عن طريق صناعة مكونات وتشكيلات لا يعلم هدفها إلا جار لا يتمنى خيراً لجاره 

ولذاك فإن وقفة ٥/٥/ ٢٠٢٥م، ينبغي ألا  تُختصر في مطالب نقابية فقط تتعلق بالوضع المعيشي وإن كانت تلك المطالب ضرورية؛  بل تفتح الباب أمام أسئلة جوهرية حول مصير الوطن، هل ما زالت هناك نية حقيقية لتمكين العقل؟  هل من الممكن تخيل نهضة بدون مدرسة أو جامعة، أو تخيل سيادة وطنية بدون معرفة، أو تخيل استقرار أمني  لا يُصنع من جذور الوعي٠

إن الحضور في هذه الوقفة لا يُعبّر عن الانتماء لفئة الأكاديميين أو المعلمين؛  بل عن انتماء لفكرة عن إيمان بأن الدولة التي  تضيق درعاً بصناع العقول  لا تستحق مستقبلاً،  وعن قناعة بأن التعليم لا ينبغي أن يكون ورقة مساومة بل هو الشرط الأساسب لوجود أي مشروع وطني٠

وقفتنا في 5مايو لحظة يتعيّن فيها أن نستعيد اتزان المفاهيم، أن يُعاد النظر في تموضع الأستاذ و المعلّم والجامعة والمدرسة،  أن تُفهم المطالب، لا بوصفها أحمالاً ثقيلة  على الدولة بل بوصفها دعائم لبقاء واستقرار ونهضة الدولة ، ومن يشارك في هذه الوقفة لا يرفع صوته لمصلحة آنية؛ بل يعلن انحيازه لمنظومة تضمن استمرار الوطن لا تآكله من الداخل

وقفتنا أمام مقر التحالف في ٥/٥/ ٢٠٢٥م، ليست  لحظة صدام،  بل نداء توازن
فالمجتمعات لا تنهار حين تجوع؛
بل حين يُقصى ويهمش فيها من يحمل الوعي ويبني العقول٠




شارك برأيك