السبت 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00
على طول وعرض الخارطة السياسية للبلاد العربية الكبيرة، تشكلت في مرحلة متزامنة تقريبًا من الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ما يسمى حاليًا بـ " الدولة الوطنية الحديثة " في أكثر من عشرين نموذج لدولة مستقلة تراوحت أنظمتها ما بين الجمهورية والملكية إلى الأميرية والسلطنة.ولم تكن بلادنا تشكّـل حالة استثناء في ذلك، خلاف أنها اشتبكت مع " جهويّة اليمن " في حين أن ذلك لم يحدث لمجموعة دول عربية في " الشام " التي اختارت نخبها أن تعرف دولها بمسميات وهويات لا علاقة لها بـ " جهويّة الشام ".
قال عربي مدافعًا عن حالنا البائس بفعل نخبنا البلهاء في السياسة ، وبفعل " الانتهازيّة " المقيتة لجيش حملة تحويل " الجهوية اليمنية " إلى " هوية سياسية " ... من قوى العربية اليمنية . قال محقــًا : لم تكن هذه اليمن في الجغرافيا إلاّ " جهة " .. وحتى هذه الجهة لم تكن مرسومة بـ " المسطرة والفرجار " حتى يمكن أن نقول : إنّ كلّ ما في جوفها يمني مثلاً حتى في الجغرافيا ناهيك عن السياسة .
وفيما يخصّ " الهويّات السياسيّة "...يقول الفكر السّياسيّ الحديث بشكل مجمع عليه أنّ الهوية السياسية تصنع , و أنه غالبا ما تصنع بفعل وجود " الدولة الوطنية " التي تجعل من حدودها الجغرافية , وعلمها ونشيدها الوطني , ورموزها السياسية , ووثائق الأحوال الشخصية مجموعة " أوتاد " قوية تثبيت هوية الدولة الوطنية , ومن هنا تنشأ ما يسمى بـ " نحن المتخيّلة "...أي نحن الذين نتخيل أنفسنا جنوبيين مثلًا , أو سعوديين أو كويتيين أو عمانيين...إلخ 0
فيما يخصّ الجنوب العربيّ ... تشكّلت دولتنا الوطنيّة بحدودها التي دخلت فيها في وحدة مع دولة عربية أخرى وهي الجمهورية العربية اليمنية , لكنّ صنعاء تعسّفت " الجهويّة الجغرافيّة " لتحوّلها إلى " هوية سياسية " لغرض استخدامها كمبرر لـ " حرب احتلال " عام 1994م مستخدمة في ذلك هشاشة وتناقضات دولتنا الوطنية وما تمخّض عن صراعاتها السياسية السابقة , والتي نفذت عبرها إلى قلب هذه الدولة الوليدة لتنشب فيها مخالبها حتى اليوم بمساعدة من يمكن أن نسميهم " نخب الجنوب " من قطاعات سياسية وعسكرية وقبلية فرّطت في مستقبل شعبها بسبب الجشع والجري خلف المصالح الذّاتية من جهة وبفعل الأحقاد القديمة التي ترسخت في ذهنيات لا يمكن أن تقود إلا إلى صراعات وحروب مجددا.
وما زاد الطين بلة أنّ الفترة الزمنية التي عاشتها هذه الدولة الوليدة مع وحدة الغدر والاحتلال قد تكفلت فيها , وبمنهجية مختلف قوى صنعاء من خلق تشوهات كبيرة في عقليات الكثير من النخب الجنوبية فيما يخص درجة الانتماء الوطني مما سهل عليها – وهو ما يبدو جليا الآن – أن تستخدم هذه التشوهات وأصحابها في تثبيت مخالبها أكثرو أكثر من قلب هذه الوطن النّازف دمًا حتى الآن .
أكثر ما يؤلم في كلّ هذه التّراجيديا السّوداء التي يعيش بطولتها بلا حياء بعض النّخب الجنوبيّة أن البلادة قد وصلت بهم مرحلة عدم الاستفادة من تاريخهم القريب جدا من ناحية , وعدم القدرة على فرز ما يمكن أن يكون مصلحة دائمة حتى لهم كأفراد – دع عنك أولادهم وأحفادهم – وما يمكن أن يكون مجرد " مصلحة مؤقتة " , تفرضها ظروف الأمر الواقع على أقيال صنعاء لتهبها لهم حتى تقوي بها عبرهم دعائم " جسر العبور إلى الهيمنة المطلقة على الجنوب أرضًا وهويّة ! .
