
من يقف وراء الاغتيالات التي طالت ناشطين وأكاديميين وقيادات مدنية بتعز ؟
مقتل المتهم الرئيسي في اغتيال مديرة صندوق النظافة
وثائق وشهادات محلية تكشف تحول اللواء 170 إلى وكر للقتلة والمجرمين
قادة كتائب اللواء متورطون في قضايا قتل وتقطعات ونهب الممتلكات العامة والخاصة واقتحام النيابات وتهديد القضاة
أبناء تعز يطالبون تدخل "الرئاسي" لوضع حد لعبث اللواء 170 وإقالة كافة قياداته المتورطة وإعادة هيكلته على أسس وطنية
تشهد محافظة تعز الواقعة تحت سيطرة جماعة الإخوان (الإصلاح) موجة غير مسبوقة من الانفلات الأمني، تزايدت خلالها عمليات الاغتيالات التي طالت ناشطين وأكاديميين وقيادات مدنية، وكان آخرها اغتيال مديرة صندوق النظافة في المحافظة، أفتهان المشهري، في جريمة أثارت الرأي العام وأكدت من جديد أن مدينة تعز تعيش على وقع فوضى أمنية عارمة، يقف خلفها قادة نافذون محميون من قبل اللواء 170 دفاع جوي التابع للشيخ حمود سعيد المخلافي.
اللواء 170 الذي يفترض به أن يكون وحدة عسكرية نظامية لحماية المدينة، تحول بحسب وثائق وشهادات محلية إلى وكر للقتلة والعناصر الإرهابية والمجرمين، حيث تسيطر على مفاصله شبكة عائلية من آل المخلافي تدير شؤون اللواء وتستغل نفوذه لحماية متهمين بقضايا قتل وابتزاز وبسط أراضٍ وانتهاكات جسيمة ، فالقائد العام عبدالله حمود القيسي المخلافي يقود اللواء صورياً، بينما يتولى أركان اللواء حمزة حمود سعيد المخلافي إدارته من تركيا منذ أكثر من خمس سنوات، فيما يدير العمليات معاذ الياسري المخلافي، ويتولى صدام المقلوع المخلافي مهمة أمن اللواء رغم سجله الحافل بقضايا قتل وبسط واعتداءات موثقة لدى القضاء.
السيرة الذاتية لقادة الكتائب داخل اللواء لا تقل خطورة ، فقيادات الكتائب الأربعة متورطة في قضايا قتل وتقطعات واعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة، وصولاً إلى اقتحام النيابات وتهديد القضاة، كما حدث مع عرفات الصوفي الذي اقتحم مقر نيابة غرب تعز وهدد أحد القضاة بالقتل، ما أدى إلى إضراب القضاة احتجاجاً على اقتحام المحاكم والنيابات القضائية بقوة السلاح ، وفي حوادث أخرى، قادة الكتائب تورطوا في قتل جنود ومواطنين بدم بارد، وفرضوا إتاوات على الأهالي، وحولوا موارد المدينة إلى سوق سوداء تدر أرباحاً غير مشروعة.
الأخطر أن اللواء لم يعد مجرد مظلة عسكرية بيد جماعة الإخوان، بل تحول إلى ملاذ لعشرات المطلوبين قضائياً بينهم عناصر إرهابية من آل المخلافي وأقاربهم وأتباعهم، بعضهم متهم بجرائم قتل واعتداءات مسلحة مثبتة في محاضر رسمية، ومع ذلك يواصلون تحركهم بحرية داخل تعز تحت حماية اللواء، فيما تغيب الدولة عن فرض سلطتها ويُشل عمل المؤسسة العسكرية بشكل كامل.
مصادر محلية أكدت أن استمرار هذا الوضع يعني أن تعز ستظل رهينة لفوضى أمنية ممنهجة، تقودها قيادات نافذة لا تتورع عن استخدام السلاح ضد مؤسسات الدولة نفسها كما حدث في اقتحام مقرات الأحوال المدنية والنيابة العامة، وتساءلت المصادر: كيف يمكن لأسرة واحدة أن تتحكم في لواء عسكري كامل وتستخدمه لتصفية حساباتها وحماية المتهمين من أفرادها، في الوقت الذي تكتفي فيه السلطات المحلية والامنية بالصمت والتجاهل؟
المطالب في الشارع التعزي تتصاعد اليوم أكثر من أي وقت مضى للمطالبة بضرورة تدخل مجلس القيادة الرئاسي لوضع حد لهذا العبث، عبر إعادة هيكلة اللواء 170 من جذوره، وإقالة كافة قياداته المتورطة، وتوزيع أفراده على ألوية نظامية أخرى تخضع لسلطة الدولة، باعتبار أن ذلك يمثل الخطوة الأولى لمعالجة نصف المشكلة الأمنية في تعز. فبقاء الوضع كما هو لا يعني سوى المزيد من الدماء، ومزيد من الضحايا الذين يدفعون ثمن انفلات أمني أصبح مفضوحاً ومحمياً من داخل المؤسسات العسكرية ذاتها.
مقتل المتهم الرئيسي في اغتيال المشهري
أعلنت السلطات الأمنية في محافظة تعز، الأربعاء ، مقتل محمد صادق المخلافي المتهم الرئيسي في جريمة اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين، افتهان المشهري، بعد اشتباك مسلح مع حملة أمنية في حي الروضة وسط المدينة.
وقال مركز الإعلام الأمني التابع لمحافظة تعز في بيان مقتضب إن المخلافي قُتل أثناء مقاومته لقوات الحملة التي داهمت موقعه في تبة الوكيل بحي الروضة، مشيرًا إلى أن القوة الأمنية واجهت إطلاق نار كثيف قبل أن تتمكن من السيطرة على الموقع. وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا للمخلافي مضرجًا بدمائه عقب العملية.
وكانت المشهري قد لقيت حتفها صباح الخميس 18 سبتمبر/أيلول 2025 برصاص مسلحين أثناء وجودها في سيارتها بشارع "جولة سنان" وسط مدينة تعز، في حادثة مروعة أثارت صدمة واسعة في الأوساط المدنية والحقوقية. وأطلقت السلطات على الفور حملة أمنية واسعة لتعقب المتورطين، أفضت خلال الأيام الماضية إلى اعتقال ثمانية مشتبهين، بينهم سائق الدراجة النارية التي استُخدمت في تنفيذ العملية.
التحقيقات الأولية كشفت عن تورط قيادات عسكرية بارزة موالية لحزب الإصلاح (الجناح اليمني لجماعة الإخوان المسلمين) في التخطيط والتنفيذ، وعلى رأسهم بكر صادق سرحان، قائد كتيبة في اللواء 22 ميكا، الذي اعتُقل مؤخرًا بعد مداهمة منزله. وأظهرت سجلات قضائية أن سرحان يواجه حكمًا سابقًا بالإعدام صادِرًا في يناير/كانون الثاني 2024 في قضية قتل، لكنه ظل طليقًا مستفيدًا من نفوذ والده القائد السابق للواء نفسه وشبكات حماية سياسية وعسكرية.
كما أظهر تسجيل صوتي منسوب للضحية أنها أبلغت الجهات الأمنية قبل اغتيالها عن تعرضها لتهديدات من أحد الأشخاص، وأن سرحان تدخل حينها لـ"تسوية قبلية" ألزم المتهم بعدم التعرض لها، إلا أن الأخير عاد ونفذ الجريمة بمشاركة آخرين، بينهم المخلافي الذي قُتل اليوم.
مقتل المخلافي، رغم أهميته في مسار التحقيق، يسلط الضوء مجددًا على واقع أمني مرتبك في تعز، حيث تتهم قوى محلية وإقليمية القوات الموالية للإصلاح بتحويل المدينة إلى ساحة نفوذ مغلقة تعرقل جهود استعادة الاستقرار وتطبيق القانون.
ويرى مراقبون أن تعز، التي تحررت من الحوثيين قبل سنوات، ما زالت تدفع ثمن شبكات السلاح والولاءات المتداخلة، وأن المعركة الحقيقية باتت اليوم داخل المدينة نفسها، في مواجهة جماعات مسلحة تسعى لإدامة الفوضى ومنع عودة مؤسسات الدولة.
وبمقتل المخلافي، تأمل الأجهزة الأمنية أن يفتح التحقيق الباب أمام تفكيك بقية خيوط الجريمة، والوصول إلى بقية المتورطين في عملية اغتيال هزّت تعز وأعادت طرح أسئلة صعبة حول من يتحكم فعليًا بمفاصل الأمن في المدينة.
